الجميلي أحمد يكتب: المدير التنفيذي لمعرض القاهرة للكتاب… بين الفكرة المُلهمة والاختيار الملتبس

المدير التنفيذي لمعرض القاهرة للكتاب… بين الفكرة المُلهمة والاختيار الملتبس
منذ اللحظة التي وصلني فيها خبر استحداث منصب «المدير التنفيذي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب»، وتابعت موجة التهاني التي انهالت على الشخص الذي تم اختياره، التزمت الصمت. قلت في نفسي: لعلنا أمام بداية جديدة، ورؤية مختلفة تضع هذا الصرح الثقافي الكبير في مكانته التي تليق به. انتظرت أن يعلن المدير التنفيذي عن خطته، عن رؤيته، عن ملامح مشروعه في تطوير المعرض. لكن ما رأيناه حتى الآن لم يتجاوز الظهور الإعلامي المتكرر لشخص المدير التنفيذي، دون أن يرافقه أي طرح واضح أو خطة معلنة للنهوض بالمعرض.
لقد كانت فكرة وزير الثقافة بإنشاء منصب المدير التنفيذي فكرة مستنيرة تستحق التقدير، لأنها تعبّر عن إدراك حقيقي لأهمية إدارة هذا الحدث الدولي بعقل متخصص ومحترف. غير أن الاختيار التنفيذي نفسه لم يكن موفقًا، لأن المنصب لا يُمنح مجاملة ولا يُدار بالثقة وحدها، بل بالكفاءة والرؤية والقدرة على العمل الميداني.
المدير التنفيذي الحقيقي يجب أن يكون شابًا يمتلك الحضور والطاقة والخبرة الميدانية، لا ممن تجاوزوا الستين أو انقطعوا عن ساحة العمل الثقافي لسنوات طويلة. فالمعارض الحديثة لم تعد مجرد أجنحة للكتب، بل منظومات رقمية تفاعلية تحتاج إلى فهمٍ للتكنولوجيا وأساليب الإدارة الحديثة، وإلى فكر جديد يواكب ما وصلت إليه معارض الكتب الدولية الكبرى.
ما نراه اليوم هو اعتماد مفرط على الإعلام والتلميع، في مقابل غياب الخطة والرؤية. لم نر حتى الآن تصورًا واضحًا لتطوير المعرض، أو لتحسين تجربة الزوار والناشرين، أو لمواكبة التطور العالمي في إدارة الفعاليات الثقافية.
وللأسف، تحوّل المنصب إلى مساحة للشهرة أكثر منه مسؤولية ميدانية حقيقية.
إن معرض القاهرة الدولي للكتاب ليس فعالية إدارية عابرة، بل هو ذاكرة مصر الثقافية ووجهها الحضاري أمام العالم. ولا يمكن أن يُدار بالعلاقات الشخصية أو الشللية أو قرارات فردية تُصدر من المكاتب. هذا الصرح يحتاج إلى فكر جماعي، وإدارة مؤسسية تشاركية، وخطة تنفيذية واضحة تُعيد إليه بريقه وريادته.
لقد كانت الفكرة من الوزير خطوة جريئة وضرورية، لكن التنفيذ جاء دون المأمول. فالثقافة لا تُدار بالشو الإعلامي، ولا بالتلميع، بل بالعمل والرؤية والاستمرارية.
نحتاج إلى أن نعيد تعريف معنى “المدير التنفيذي” ليصبح قائدًا ميدانيًا حقيقيًا للتطوير، لا متحدثًا باسم ذاته.
فمعرض القاهرة الدولي للكتاب أكبر من الأفراد، وأهم من الصور، وأعمق من التصفيق. إنه مشروع وطني، ومسؤولية تتطلب إخلاصًا وعملًا حقيقيًا، لا حضورًا إعلاميًا مؤقتًا.



