د.نزيه الحكيم يكتب :صمت الهيئة وضجيج البون والكرتون
رحلة الصوت الضائع من البون الي الصندوق

بقلم المستشار د. نزيه الحكيم
يُفترض أن يكون الصمت الانتخابي لحظة تأمل وطنية، يتوقف فيها الجميع عن الضجيج ليتركوا للناخب فرصة يفكر فيها بعقله لا ببطنه، وبضميره لا بجيبه.
لكن ما نراه اليوم لا هو صمتٌ ولا هو قانون، بل مشهد مزدوج.. قانونٌ مكتوبٌ لا يُنفذ، وهيئةٌ تراقب لا ترى، ومرشحون يتحدثون باسم الدولة كأنهم مفوضون منها لشراء وعي الناس.
الصمت الانتخابي صار موسمًا للخرس الرسمي، لا أحد يرصد مخالفة، ولا بيان واحد يخرج من الهيئة الوطنية للانتخابات ليقول إن القانون لا يُفرّق بين مرشحٍ مدعوم وآخر مستقل.
ومع ذلك، تمتلئ الشوارع باللافتات، وتضجّ مواقع التواصل بدعايةٍ مغلّفةٍ في عباءة “الخدمة العامة”، وكأن القانون يُطبّق على من لا سند له فقط.
؟؟؟ وسؤالٌ مشروع نطرحه بصوتٍ هادئ:
هل قامت الهيئة الوطنية للانتخابات برصد مخالفة واحدة — ولو شكلية — ضد مرشحٍ كسر الصمت الانتخابي فى الانتخابات السابقة؟
ولماذا لا نسمع صوتها إلا عندما يخطئ المستقل أو الضعيف؟
هل الصمت الانتخابي قانونٌ يُطبّق على البعض ويُستثنى منه المدعومون؟
أم أن الصمت أصبح سياسة رسمية تُمارس لحماية من يتحدثون باسم الدولة ويشترون الناس بـ«الكرتونة» و«البون» وفتات المال؟
وإذا سُئلت الهيئة، قالت إن الأدلة غير كافية، كأن الكرتونة لا تُرى إلا في الظلام، وكأن البون الذى يُوزع بأربعمائة جنيه ليس دعاية، بل “عمل خيري”!
لكن الناس ترى وتعلم، والشارع يعرف الوجوه التى تظهر فجأة قبل الانتخابات، وتغيب بعدها كأنها لم تكن.
إنه نفس المشهد القديم يُعاد بوجوه جديدة.. نفس الأسلوب، ونفس الخداع، ونفس الصمت الذى يحمى المتورطين.
أي عبث هذا؟
كيف يُطلب من الشعب أن يحترم صمتًا لا يحترمه المتحدثون باسم السلطة؟
وكيف نزرع الإيمان بالوطن إذا كان الصوت يُشترى، والكرامة تُغلف في كرتونة، والضمير يُختزل في بونٍ مطبوع على ورقٍ رخيص؟
إن أخطر ما يواجه الانتخابات اليوم ليس التزوير في الصناديق، بل التزوير في العقول، حين يُقنعون الناس أن الرشوة نوعٌ من الدعم، وأن السكوت عن الفساد هو الوطنية.
لقد تحوّل الصمت الانتخابي إلى صمتٍ عن الحق، وتحول الإنصاف إلى مجاملة، وتحول القانون إلى واجهةٍ تُستعمل وقت الحاجة وتُغلق حين تُمسّ مصالح الأقوياء.
الصمت الانتخابي يا سادة لا يكون حين تُغلق الميكروفونات، بل حين يتكلم القانون وحده، ويتساوى أمامه الجميع بلا تفرقة ولا تمييز.
أما حين يصمت القانون، فذلك ليس صمتًا انتخابيًا.. بل صمت وطنٍ أُرغم على سماع ما لا يُقال.
فلتتحدث الكرتونة إذًا، ما دام القانون قد اختار الصمت، وليبكِ الوطن على وعيٍ يُباع فى المزاد، وعلى هيئةٍ نسيت أن العدالة لا تكون بالبيانات، بل بالموقف والشجاعة والتطبيق.



