د. نزيه الحكيم يكتب :فرح الفلس الانتخابي حين يستبدل الصندوق بالنقطة

بقلم د.نزيه الحكيم
كنا ننتظر التزوير فى إرادة الناخبين بالطرق المعهوده ولكن هذه المره بدء مبكرآ بدء عند تقديم الأوراق ومنع المرشح المستقل من دخول لجنة تلقي الطلبات ،الأرقام الأولى تم توزيعها ليلآ وفى الصباح لم يزاحم البهوات مثل عامة الشعب أو يتم منع محاميهم بل كان طريقهم مفروش بالورد وغيرهم بالشوك
يبدو أن المشهد الانتخابي في مصر هذه الأيام يسير في طريقٍ معكوس، فبدلًا من أن تكون الانتخابات فرصةً للمنافسة النزيهة، أصبحت ساحةً مفتوحة للتصفية والاستبعاد قبل أن يبدأ الاستحقاق أصلًا. المفارقة الصادمة أن الحديث عن التزوير لم يعد يأتي بعد الاقتراع، بل قبله؛ حين تُقصى القوائم وتُفتح الأبواب لمن يملك المال لا لمن يملك الكفاءة.
ما يحدث الآن يبعث على الخوف والدهشة معًا؛ فالديمقراطية تُفرَّغ من معناها، وكأن الهدف لم يعد تمثيل الشعب، بل جمع الأموال وتوزيع المنافع. فإذا كانت الدولة — كما يظن البعض — تحتاج إلى تمويل مجالسها عبر الأثرياء الذين يشترون مقاعدهم، فلماذا إذن لا يتم تعيينهم مباشرة؟ ولماذا نُهدر وقت الوطن في مسرحية تُسمّى انتخابات؟
لقد تحوّل المشهد من منافسة سياسية إلى ما يشبه “فرح الفلس” الذي يُقام فقط لجمع النقطة. فالأسماء تُختار على أساس من يدفع أكثر، لا من يخدم أفضل، والولاءات تُقاس بالأرقام لا بالمواقف، والمرشحين الذين يملكون الرؤية والمبدأ يُقصون لصالح من يملكون الرصيد البنكي.
إن استبعاد القوائم قبل بدء السباق هو أخطر أنواع التزوير، لأنه يقتل روح العملية الانتخابية في مهدها، ويجعل النتيجة معروفة سلفًا، فيسقط معها آخر ما تبقّى من ثقة الناس في مؤسسات الدولة. إن ما يُبنى على باطل سيظل باطلًا، وما يُزرع بالتزوير لا يحصد إلا الاحتقان والانفجار الشعبي.
الناس تتابع، والمشهد يُرصد بدقة، وكل تجاوز يُسجَّل. فالزمن تغيّر، ومصر لم تعد بلدًا يمكن أن تُغلق فيه الحقيقة داخل الأدراج. إذا استمر هذا النهج فسيأتي برلمان فاقدًا للشرعية الشعبية، عاجزًا عن حمل مسؤولية التشريع أو الرقابة، لأن مقاعده اشتُريت بمالٍ مشبوه لا بثقةٍ شعبية.
وإذا كان هناك من يظن أن الأمر سيمرّ بلا حساب، فعليه أن يتذكّر أن التاريخ لا يرحم، وأن الشعب قد يصمت طويلًا لكنه لا ينسى. الانتخابات ليست مزادًا ولا فرحًا لجمع النقطة، بل عقد ثقة بين الدولة والمواطن، وإن فُسخ هذا العقد بالتزوير، سيفقد الجميع شرعية البقاء.
والتزوير — يا سادة — لم يبدأ يوم التصويت، بل بدأ قبل بدء الاستحقاق نفسه، حين جلس الأمن على باب المحكمة ولجنة تلقي طلبات الترشح، ليمنع المستقلين وأصحاب الرأي من التقديم. يأخذ بطاقاتهم، ويتركهم في مشهدٍ مذل من التاسعة صباحًا حتى الخامسة مساءً كل يوم، حتى غلق باب الترشح، وإذا وصل أحدهم إلى اللجنة قيل له: “انزل استأذن الأمن.”
فهل أستأذن الأمن في ممارسة حق كفله الدستور؟



