صنع الله إبراهيم.. منفى الحرية وسرد الحقيقة
كتب: الجميلي أحمد

صنع الله إبراهيم.. منفى الحرية وسرد الحقيقة
وُلد صنع الله إبراهيم عام 1937 بالقاهرة، وعاش طفولته في كنف أسرة متوسطة. درس في كلية الحقوق بجامعة القاهرة، وتخرّج عام 1958، ثم التحق بالعمل الصحفي، قبل أن تتحول حياته كليًا مع دخوله السجن عام 1959.
شكّل الاعتقال السياسي نقطة مفصلية في مسيرته. أمضى خمس سنوات بسجن الواحات بتهمة الانتماء لتنظيم شيوعي، فخرج محمّلًا بأسئلة الوطن والهوية، ليبدأ رحلته مع الرواية الواقعية.
أصدر روايته الأولى “تلك الرائحة” عام 1966، فصدم الوسط الثقافي بلغته الجافة وأسلوبه التوثيقي، لكن النقّاد أدركوا لاحقًا أنها تؤسس لموجة جديدة في الرواية العربية.
عرف صنع الله إبراهيم بتوجهه اليساري الواضح. لم ينفصل يومًا عن قضايا المجتمع، فجاءت أعماله انعكاسًا للتغيرات السياسية والاقتصادية في مصر، خاصة بعد النكسة.
الرواية توثق… لا تجمّل
ركّز صنع الله على الرواية كوثيقة اجتماعية. استخدم فيها أرشيف الصحف، والمحاضر الرسمية، والتقارير، ليخلق نصًا يجمع بين التوثيق والسرد الفني.
من أبرز أعماله:
-
تلك الرائحة (1966): أولى رواياته، منعت من التداول رسميًا.
-
اللجنة (1981): هاجم فيها بيروقراطية الدولة.
-
ذات (1992): سرد متشابك لحياة امرأة مصرية في ظل تحولات المجتمع.
-
شرف (1997): رواية سجن تلامس الفساد والطبقية.
-
العمامة والقبعة (2009): رصد دقيق لمراحل الاحتلال البريطاني لمصر.
تميز أسلوبه بالاقتصاد اللغوي، وتجنّب الجمل الإنشائية، وحرصه على إيقاع توثيقي يثير القارئ.
صنع الله إبراهيم… المثقف المتمرد
رفض صنع الله جائزة الدولة التقديرية عام 2003 احتجاجًا على ما وصفه بـ”غياب الديمقراطية في مصر”. كان ذلك في احتفالية رسمية حضرها كبار الكُتّاب، مما أثار ضجة كبرى وأكسبه احترام المثقفين.
ظلّ ينتقد السياسات الاقتصادية النيوليبرالية، وعارض التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي. كما ساند ثورة 25 يناير، داعيًا إلى العدالة الاجتماعية والدولة المدنية.
صنع الله اليوم… ذاكرة جيل وروح مدينة
في السنوات الأخيرة، قلّ ظهوره العلني، لكنه ما زال يكتب ويتابع المشهد الثقافي. يعتبره النقاد أحد أبرز أعمدة الرواية العربية المعاصرة، ورمزًا للمثقف الحر.
أثّر في أجيال من الكتّاب، مثل علاء الأسواني ويوسف رخا، وأعماله تُدرّس في جامعات عربية وغربية.
لا يزال صنع الله إبراهيم، رغم السكون، حاضرًا في ضمير الثقافة، كأنه ذاكرة حية لزمن لم يكتمل.