رئيس مجلس الإدارة: رضا أبوحجي نائب رئيس مجلس الإدارة: الجميلي أحمد رئيس التحرير: شريف سليمان

الجميلي أحمد يكتب: وجوه الإنسان المتعددة: قراءة في قناع الذات

وجوه الإنسان المتعددة: قراءة في قناع الذات
يبدو الإنسان في جوهره كائنًا مركبًا، يحمل في داخله طبقات من المشاعر والدوافع التي لا تُرى جميعها للعيان. ومن هنا ينشأ السؤال الأزلي: لماذا يرتدي البعض أكثر من وجه؟ لماذا يُظهر أحدهم أمام الناس ملامح الطيبة والملائكية، بينما تخفي أعماقه نزعات مختلفة، أو على العكس يتصنع القسوة وهو في داخله طيبٌ مسالم؟
الجواب يتصل بطبيعة النفس البشرية نفسها. فالفرد يعيش في شبكة من العلاقات الاجتماعية التي تفرض عليه قيودًا وتوقعات؛ المجتمع ينتظر منه صورة “مثالية” أو “قوية”، فيتعلم منذ طفولته فنّ الأقنعة ليحمي ذاته من النقد أو الرفض. أحيانًا يكون ارتداء القناع دفاعًا عن النفس، كدرع يصد خيبات الأمل أو الخوف من الانكشاف. وأحيانًا يكون وسيلة للوصول إلى مكاسب مادية أو معنوية، حيث يتحول الوجه الاجتماعي إلى أداة تفاوض مع الآخرين.
لكن خلف هذا التنكر يظل الإنسان يبحث عن التوازن بين صورته أمام العالم وصورته أمام مرآة ذاته. فالتصنع، مهما طال، ينهك الروح ويخلق صراعًا داخليًا بين ما يُقال وما يُحس، بين ما يُعرض وما يُخفى. لذلك فإن مواجهة النفس بشجاعة، والاقتراب من الصدق مع الآخرين، ليست مجرد فضيلة أخلاقية، بل خطوة نحو الحرية الداخلية.
إن الإنسان متعدد الوجوه بطبيعته، لكن قدرته على التوفيق بين الداخل والخارج، على جعل وجهه الظاهر أقرب ما يكون إلى قلبه، هي ما يمنحه نضجًا حقيقيًا وطمأنينة لا توفرها أي أقنعة زائفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى