الجميلي أحمد يكتب: حين يتكلم الجنوب بصوت شاعر واحد: عادل صابر وفنّ الواو

الجميلي أحمد يكتب: حين يتكلم الجنوب بصوت شاعر واحد: عادل صابر وفنّ الواو
لا يحتاج القارئ إلى مقدّمات طويلة ليكتشف أن عادل صابر لا يشبه أحدًا. فمجرد الدخول إلى نصوصه يكشف أن الرجل لم يتعلم الشعر من الكتب، بل من الأرض نفسها: من صمت الحقول، وخطوة الفلّاح، وإيقاع السواقي حين تلتفت على قلب الليل.
هذه البيئة لم تمنحه اللغة فقط، بل أعطته ما هو أثمن: النبرة… تلك التي لا تُدرَّس، ولا تُستعار، ولا تُصنع في ورشة سرد.
في حضور عادل صابر، يتقدّم فنّ الواو من فكرة «التراث» إلى فكرة «المعنى». يصبح البيت القصير مساحة لتمرير حكمة، أو جرح، أو ضحكة، بينما يظل الإيقاع مشدودًا كوتر لا يقبل الخطأ.
هذه القدرة على الإمساك بالموجز العميق هي ما جعلته واحدًا من أبرز من حملوا الفنّ الشعبي من حيز الذاكرة إلى حيز التأثير.
الواو كما يكتبها… لا كما يتداولها الناس
ليس كل ما يُكتب على شكل الواو يُعدّ من الفنّ.
هناك فرق بين من يكرر القالب، ومن يتقن جوهره. وعادل صابر من النوع الثاني؛ إذ يكتب بيتين يبقيان في الذاكرة كأنهما جزء من سيرة شخص تعرفه.
وفي كثير من نصوصه، يتعامل مع الواو بوصفه مرآة داخلية، لا استعراضًا لغويًا. يترك أثرًا لا لأن مفرداته نادرة، بل لأن عبارته «مخلصة»، والعفوية فيها محسوبة بذكاء شاعر يعرف أن البساطة أصعب من التعقيد.
هذا شاعر لا يتزيّن… بل يعرّي المعنى
صوته الأدائي جزء من هويته. فطريقة إلقائه للواو تشبه حركة فلاح على حافة الترعة: هادئ، لكنه يعرف أين يضع قدمه.
يميل إلى اقتصاد المفردة، وإلى شدّ البيت على معنى واحد، ثم يتركه يشتعل لدى السامع.
هذه القدرة على نقل النبرة من الورق إلى الأذن هي التي رفعت اسمه إلى مكانة مختلفة، وأعطته لقب «أمير فنّ الواو» عن استحقاق لا مجاملة.

عادل صابر ليس ابن قنا فحسب، بل ابن طريقة في النظر إلى الحياة.
حيث الشجن لا يعني الضعف، والحكمة ليست وعظًا، واللغة ليست وسيلة للتجميل بل أداة للكشف.
إنه يقدم الجنوب كما هو: قويًّا، رصينًا، صادقًا، لا يخاف من الصمت ولا من مواجهة الحقيقة، ولذلك يجد الناس أنفسهم في نصوصه مهما اختلفت أعمارهم ومناطقهم.
وهنا اسمحوا لي أن أقول بمتابعتي لعادل صابر إذا كان لفنّ الواو وجوه كثيرة، فعادل صابر واحد من تلك الوجوه التي أعادت للفنّ احترامه.
لا يكرر القدماء، ولا يعاديهم؛ يكتب من النقطة التي يقف فيها، ويرفع سقف هذا الفن كل مرة دون صخب.
ولذلك أصبح اسمه جزءًا من الثقافة الشعبية المعاصرة، لا لأنه «يمثل» هذا الفن… بل لأنه يعيد خلقه.



